لا يمكن لأحد أن ينكر قساوة مرض السرطان على إختلاف أنواعه وأنماطه ، إضافة إلى صعوبات علاجه خاصَة إذا ما تأمَلنا في كم الآثار الجانبيَة التي يسببها العلاج الكيميائي الذي يعتبر من المراحل الأساسيَة والضرورية للقضاء على هذه الآفة ، معاناة تستوجب شجاعة إستثنائية ممزوجة بحب كبير للحياة والأمل ، وهذه الخصائص كانت من الأسباب الأولى التي جعلت الطفلة السعودية شريفة الحقباني تتحوَل إلى سفيرة فخرية لمكافحة السرطان في دولة قطر ودول مجلس التعاون الخليجي ،كما أصبحت نموذجا مثاليا للأمل يحتذى به في رحلة الكفاح ضدَ السَرطان على المستوى العربي والعالمي أيضا ،خاصَة بعد أن أحدثت الفارق عندما أصدرت كتابا تحت عنونا “ويبقى الأمل ” الذي أصبح ضمن المؤلفات الأكثر مبيعا في العالم العربي وذاع صيته بالعالم الغربي أيضا ،وهو ما جعل الأضواء تسلط على هذه الطفلة وكتابها وكيف يمكن أن تتحوَل المعاناة مع المرض إلى رحلة إبداع وبطولة يعتبر منها الكبار قبل الصغار .
“كانت أصعب لحظات حياتي هي عندما بدأت أول جرعة كيماوي من دون تخدير.. كنت أشعر بدخول الإبرة مثل الطعنة المؤلمة، يليها دخول إبرة الكيماوي مثل دخول نار حارقة داخل جسدي الصغير” هذه الكلمات مقتطفة من بعض السطور التابعة ليوميات الطفلة شريفة الحقباني التي وصفت فيه معاناتها اليوميَة مع آفة السرطان وتحدثت فيها وبكل قوة وصراحة عن رحلة كفاحها وحربها ضدَ هذا المرض إلى درجة جعلت العديد من مرضى السرطان كبارا وصغارا يستمدون بذور الأمل في الحياة من حسَها الشجاع وإصرارها الأبي على الشَفاء وهزيمة آفة السرطان .
ورغم أنَ شريفة الحقباني تتابع حالتها بقسم علاج اللأمراض السرطانيَة إلا أنَها ترفض أن تسمى بمريضة السرطان ولا تفوَت مناسبة أو حدثا إلاَ وتطالب فيه بتغيير هذه النَظرة إلى مرضى السرطان وتعويض تسمية مريض بمحارب السرطان لأنَها تجد في هذه الكلمة الأمل والتشجيع على مواصلة الكفاح ضدَ هذا المرض .
وأكثر ما يميَز الطفلة شريفة هو أنَها تتعامل مع مرضها على أساس مرض عابر سيزول فحاولت إيصال هذه الفكرة في كتابها من خلال سرد تجربتها و قصتها مع المرض ومراحل علاجه موثقةً ذلك بالصور، فأغلب سطور هذا الكتاب تتحدَث عن ما تعلَمته من المرض من إيمان بالله وكيف أنَ الأمل يمكن أن يجعل من آلامها بردا وسلاما.
ولكن حدود هذه الطفلة الشجاعة تجاوزت صفحات الكتاب لتنتشر إلى تغريدات على حساباتها التابعة لمواقع التواصل الاجتماعي على غرار “تويتر ” الذي تعمل فيه الطفلة جاهدة على نشر قصص وتجارب من واقع الحياة وتروي فيه حكايات مرضى السرطان وعبر عن التحدي والصمود .
مبادرات شجاعة من أجل دعم مرضى السرطان
“فإذا مرضت فهو يشفين” من هذه الكلمات القرآنية المقدَسة تستمدَ شريفة قوَتها ،لأنَها تدرك تماما أن الله مع الصابرين وأنَه لا قنوت من رحمة الله فكما خلق الداء جعل له الدواء ، ولكن ذلك كان سهلا عليها أكثر مع وجود الأسرة إلى جانبها وهذا هو الدعم الذي يجب أن يجده كل مريض سرطان من عائلته وأصدقائه ، وقد تحدثت شريفة عن ذلك في كتابها أيضا فعندما كان لا بد لها من حلق شعر رأسها الذي بدء بالتهاوي بسبب العلاج الكيميائي فوجئت بموقف إنساني وعائلي أثر فيها وزادها قوة لمواصلة رحلة كفاحها عندما قاما والداها وإخوتها بحلق رؤوسهم تضامنا معها ولإشعارها بأنَها ليست وحدها في هذه المواجهة ، وهوما جعلها توقن بوجوب المواصلة والمحاربة للتغلب على المرض من أجل أسرتها وكل من تحب.
واليوم الطفلة شريفة لم تعد مجرد مريضة محاربة للسرطان فقط إنَما هي سفيرة فخرية لمكافحة السرطان و قائدة وباعثة لعدة مبادرات فردية وجماعية كزيارة مرضى السرطان خاصة الأطفال لمدَهم بالأمل من خلال إعداد برامج و حلقات مستمرة لنشر قيم الأمل والتوعية بضرورة الكفاح ، كالمبادرة التي قامت بنشرها عبر اليوتيوب والتي لقيت رواجا كبيرا حول العالم تحت عنوان” الحياةأجمل بشوية أمل” وهي مباردة دعمها فيها فريق من أكاديمية تعمل لنفس الهدف إضافة إلى مجموعة من المتطوعين وأشخاص هزموا السرطان و أرادوا بث تجربتهم الإيجابيَة إلى المرضى لتحفيزهم على الشفاء والمقاومة .
“ويبقى الأمل ” ليس فقط كتابا لطفلة صغيرة تتحدى السرطان إنَما هو بداية لنظرة جديدة لهذا المرض و نقطة تحول من الألم إلى الأمل ومن نهاية المطاف إلى بدايته وأنَ مرحلة العلاج ليست سوى فترة مؤقتة يجتازها المريض بالإيمان والصبر والإرادة ، ومع وجود الدعم النفسي والعلاجي تصبح هذه المرحلة مجرد ذكرى وحافزًا على حب الحياة بكل ما فيها ،فرسالة شريفة وكل من مضى على دربها إلى مرضى السرطان تختصر في الكلمات التالية : “لا تيأسوا ،قاوموا ، لا شيء مستحيل مع الإرادة والأمل فعلى هذه الأض هناك أشياء جميلة تستحق الحياة” 🙂