إنَ الحياة لا علاقة لها بالأفلام والقصص الدراميَة التي تنتجها السينما وتعرضها شاشات التلفزيون ، حيث يكون الموت سهل وبسيط وتكون أغلب النهايات سعيدة بعد نجاح تضحيات البطل ، فالواقع يختلف تماما عن الخيال فالتضحية والعطاء من المبادئ التي أصبحت نادرة وشبه مفقودة في عالم مليء بالأنانيَة وحب المصلحة الذاتيَة ففقد الموت هيبته ووقاره وأصبحت حياة الإنسان لا معنى لها عند البعض ، فالإنسان في الحياة الواقعية يختلف عن الممثل في الأفلام الذي يموت ألف مرة في أدواره ،لأنَ الإنسان العادي لديه فرصة واحدة فقط للعيش لذلك لطالما إعتبر الطب هذه الحياة ثمينة فعمل العلماء والخبراء على تطوير البحوث والدراسات وحتى التجارب للسمو بهذه الحياة وإعطاء أمل جديدة للمرضى الذين شارفت حياتهم على الإنتهاء بسبب مرض مميت أو تعطل عضو حياتي في الجسم و إعطائهم فرصة ثانية من خلال ما يعرف اليوم بعملية زرع الأعضاء التي أعادت العديد من المرضى إلى الحياة من جديد بفضل مبادرة إنسانية تعرف اليوم بعملية التبرع بالأعضاء فكيف ذلك ؟
هل فكَرت يوما وأنت ترتشف القهوة الدافئة أمام برنامجك الممتع أنَه يوجد الآلاف من المرضى في تلك اللحظة ينتظرون أملا مهما كان بسيطا ليعودوا إلى الحياة من جديد لينعموا بلحظة سلام بسيطة كالتي تعيشها أنت كل يوم ، فلا يمر يوم على هاؤلاء دون أن يتاسائلوا نفس السؤال وهو “هل هذا هو يومي الأخير؟ ” لأنَهم يعلمون جيدا أنَ العلاج شبه مفقود والأمل ضعيف جدا فالطريقة الوحيدة لإنقاذهم هي إيجاد متبرع لهم سواء كان شخصا سليما ويرغب في التبرع أو ميتا كان قد أوصى بإعطاء أعضائه بعد موته ، ولا بد من الإعتراف أنَ هذه الإحتمالات غير واردة وصعبة التحقيق في مجتمع يعج بالمصالح وحب الذات ، فاليوم نواجه فهما خاطئا لمعنى التبرع بالأعضاء وهذا ما يؤكده أطباء أمراض الكلى والجهاز البولي الذين يواجهون صعوبة كبيرة في بعض الأحيان حتى في إقناع أم أو أب أو أخ بالتبرع بإحدى الكلى إلى مريضهم رغم ثبوت إنعدام الخطر وإمكانية التبرع ، من جهته يرى الدكتور بيل وهو خبير في الجراحة العامة ومستشار تحليل في مجلة فرنسية أنَ المشكل يكمن في الفهم الخاطئ لمفهوم التبرع بالأعضاء فالكثير من الأشخاص يظنون أنهم إذا تبرعوا بعضو معين قد يفقدون حياتهم في حين أن الواقع غير ذلك خاصَة في عمليات زرع الكلى أوالكبد حيث يمكن للشخص المتبرع سواء كان من نفس عائلة المريض أو لا التبرع وإكمال حياته دون أي مشاكل صحيَة ومرضيَة .
ولكن يرى الدكتور بيل أن التبرع بالأعضاء عملية تتطلب شخصا يتحلَى بروح العطاء وبقيم إنسانيَة أصبحت نادرة الوجود في عالمنا الحالي وهذا ما يفسَر وجود أشخاص قرروا التبرع بأعضائهم في حالة وفاتهم بل وذهب الأمر بالعديد منهم إلى وضع صفة متبرَع في بطاقاتهم الشخصيَة ،ويرى أطباء علم النَفس أنَ هؤلاء الأشخاص عملة إنسانية نادرة ويمتلكون قلوب من ذهب لما يمنحونه إلى الآخرين، فهم يرون أنَ التبرع بالأعضاء هي فرصة لإحياء أجزاء منهم حتى بعد وفاتهم قد يكون قلبا أو عينا أو كبدا وحتى وجها أو ما شابه ورغم أنَ المصلحة تكون في أغلب الحالات وظيفية وتبقي المريض على قيد الحياة إلاَ أن لها مكاسب معنوية أيضا وهي بقاء عضو من أعضاء الميت على قيد الحياة حتى بعد الموت وذلك عندما يدخل هذا الأخير في جسد شخص آخر فكأنَ التبرع بالأعضاء يحفظ حياة المريض الذي يحتاج العضو ويعطي حياة ثانية للمتبرَع ، ولكن هل كل العقول قادرة على النَظر إلى عمليَة التبرَع بالأعضاء من هذه الناحية ؟
طبعا ليس كلها وإلاَ لما وجدنا الآلاف اليوم يقفون في طوابير المستشفيات دون جدوى وللأسف العديد منهم يموتون بسبب نقص في الدم أو خلل في الكلى أو ضعف في الكبد ويرحلون في صمت كضحايا لحب الذات والأنانية المفرطة و الفهم الخاطئ لمعنى العطاء 🙁