من المعروف عن رياض الأطفال (الروضة ) أنَها الخيار الأفضل للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 3 ، 4 و5سنوات وهي المرحلة العمريَة التي يكون فيها الطفل في حاجة ماسَة إلى تفريغ طاقته الإبداعيَة وتعلَم قيم التشارك مع الجماعة وهذا ما قد يعجز الآباء عن تقديمه له خاصَة إذا كانا يعملان ولا يجدان الوقت الكافي لذلك فمن فوائد رياض الأطفال توفيرها الخبرات والتجارب المختلفة للطفل كي يكون جاهزا لمواجهة الحياة المدرسيَة بكل مراحلها بنجاح ، ولكن وللأسف مع انتشار وتفشي ظاهرة العنف والإجرام في مجتمعاتنا ، ظهرت في السنوات الأخيرة أحداث وسلوكيات غريبة في رياض الأطفال في دول عربية مختلفة وصلت إلى وقوع حوادث مروعة البعض منها كان لها نهايات مأساويَة حيث ذهب ضحيتها أطفال لم تتجاوز أعمارهم الخمس سنوات لتبقى هذه الفاجعة لوعة وحرقة في قلب الأم الملتاعة لفقدان فلذة كبدها .
أسئلة كثيرة تجعلك تطرح هذا السؤال لماذا أصبحنا نشهد هذا الكم من العنف ضدَ أطفال صغار لا حول لهم ولا قوَة ؟ ورغم ذلك يصل عدد الأطفال المسجلين برياض الأطفال بالآلاف خاصَة وأنَ الأوضاع الاقتصادية بالمجتمعات العربيَة أصبحت مترديَة وتستوجب عمل الزوجين لتتوازن مصاريف المعيشة الأسرية ولتلبية حوائج الأطفال ولوازم البيت الضروريَة.
وبسبب هذه الظروف يتعرض الكثير من الأطفال في دور الحضانة لأشكال مختلفة من العنف قد تكون ومهينة تجعل بعضهم يعاني من أمراض عصبيَة أو نفسية مدى الحياة بسبب تعرضهم إلى الاعتداء الجسدي والجنسي فمنهم من يقع ضحيَة لجريمة إغتصاب وحشيَة ، ومنهم من يفارق الحياة بسبب الضرب المبرح والتعذيب ، والمؤسف أنَ السلطات لا تبدي جهودا فعالة وكافية في هذا الملف وغالبا لا تعير إهتماما بهذه الجرائم وتكتفي بالتنديد وسجن صاحب الحضانة ومرتكب الجريمة لا غير .
رغم أنَ أغلب التحقيقات المنجزة حول هذه الجرائم تؤكد أنَ الأسباب الحقيقية لوقوعها هو غياب الرَقابة والأمن بهذه المحاضن وخاصة التساهل المفرط في طرق إنتداب المربيات فأغلب المحاضن ورياض الأطفال التي تحدث فيها إنتهاكات شنيعة في حق الطفولة تقبع في المناطق الشعبيَة أو ما يعرف بالعشوائيات وبرياض الأطفال التي تكون فيها طرق الإنتداب سهلة ولا تخضع لشروط تحدد المستوى التعليمي للمربية أو درجة وعيها الفكري ولعلَ أكبر دليل على ذلك أنَ أغلب الجرائم وأعمال العنف المرتكبة ضذَ الأطفال في المحاضن إرتكبت من قبل مربيات لا يمتلكن أدنى مستوى ثقافي يؤهلهن فكريا ونفسيا لتربية الأطفال أو التعامل معهم وهذا ما يفسر تصرفاتهم الغريبة والعنيفة “غير طبيعية” تجاه الأطفال ، كمنعهم من الأكل ، الضرب المبرح ،أساليب عقاب قاسية (بيت الفئران المظلمة ، الوقوف لمدَة طويلة على ساق واحدة ، الحرمان من اللعب والأكل …) ، وهذا ما يؤثر سلبا على نفسيَة الطفل.
ويؤكَد أطباء أمراض الأطفال أنَ الأم يمكنها إكتشاف سوء معاملة الطفل في الحضانة بشكل سهل وبسيط من خلال التدقيق في سلوكياته فالطفل المعنف غالبا ما يكون قلقا وحزينا ويفقد حبه للعب ويميل إلى العزلة أو لجوء البعض إلى المشاجرة والعنف كردة فعل طبيعية ناتجة عن العنف الذي يواجهه بالروضة ويؤكدَ أطبَاء الأمراض النَفسيَة أنَ أخطر ما في هذا الوضع هو نشوء طفل عدواني وعاجز عن حب الآخرين وهي أحاسيس وسلوكيات تزرع فيه بسبب العنف الذي سلط ضده، والخطير هو بقاء العدوانية مع هذا الطفل في بقية مراحل حياته المستقبلية ليخرج إلى المجتمع فردا منتقما وحقودا.
هذه المخاطر حذَر منها خبراء في علم النفس الذين يرون أن الطفل الصغير يتطوّر بشكل أفضل على الصعيدين الاجتماعي والعاطفي والفكري بين أحضان والديه أو عندما يشرف على تربيته شخص مؤهل أكاديميا وثقافيا ونفسيَا للتعامل مع الأطفال وهذه هي النقطة التي تحدث الفرق بين روضة ناجحة وأخرى عشوائيَة لتبقى المسؤوليَة الأكبر من نصيب السلطات والحكومات المسؤولة التي من شأنها أن تضع ضوابط وقواعد قانونيَة يمنع إختراقها مصحوبة بنظام عقوبات (مالية ، السجن ) صارمة ضدَ مديري رياض الأطفال الذين ينتدبون مربيات أطفال غير حاملات للشهائد العلمية المختصة في رعاية الطفولة و لا يتمتعن بصحة نفسية متوازنة تؤهلهن لرعاية الأطفال وهذا التقصير هدفه توفير المال ودفع أجر أقل فيختار هؤلاء التضحية بجودة الخدمة وأمن الأطفال من أجل المال وهذه الأسباب تبدو واضحة خاصَة أمام ما نسمع عنه ونشاهده هذه الأيَام من جرائم عنف وإغتصاب وقتل لأطفال أبرياء بسبب الإهمال ، الجشع وقسوة الظروف والقلوب و ما خفي كان أعظم 🙁