مهما تخيَلنا وتصوَرنا صعوبة أن يحرم الإنسان من نعمة الإنجاب فإنَ هذا الأمر لن يؤلمنا بقدر ما يؤلم الأشخاص ذاتهم، فالشَعور السائد بين الأزواج الذين يعانون من العقم وتأخَر الإنجاب هو الفراغ وأحيانا العجز ، وحسب شهادات لأزواج عاشوا هذه التجربة قبل أن يتوفقَوا في الإنجاب بفضل تقنية طفل الأنبوب أو بهبة من الخالق أنَ أصعب شيء في هذه التَجربة هي مقاومة ضغط الأقارب والأصدقاء الذين يعشقون التطفَل الذين يحبطون هؤلاء الأزواج بأسئلتهم الدَائمة والمستمرَة عن سبب تأخَرهم في الإنجاب وأحيانا تكفي عيونهم السَاخرة والمليئة بالشفقة والإستغراب لتغرس سهامها في قلوبهم وتزيدهم لوعة وحسرة على وضعهم ، فكيف يعيش الأزواج العاجزون عن الإنجاب بصفة طبيعيَة تجربة العقم ؟ وهل هناك طريقة للتعايش مع هذا الفقد الوجودي خاصَة إذا ما طالت فترته وإنعدمت كل سبل الحمل؟ وهل يمكن للزوج(ة) العقيم (ة) أن يتحمَل اللَوم والشعور بالذنب تجاه الشريك السليم الذي يجد نفسه مضطرَا إلى التَخلي عن عيش حلم الأمومة أو الأبوَة ليعيش مع الشريك الذي إختاره والتضحية بحلم الإنجاب؟
تعرَف منظَمة الصحَة العالميَة العقم بأنَه عدم قدرة الزوجين على الإنجاب بشكل طبيعي لمدة تجاوزت السنة، أو أكثر ويقول المصدر نفسه أن” أكثر من 80 مليون شخص يعانون من العقم في جميع أنحاء العالم ”
وفي مقال نشر على الموقع الطبَي “دكتيسيمو ” تحدَث فيه مجموعة من الأزواج عن تجربتهم مع العقم حيث قال الزوج أنَه يحب زوجته كثيرا و لايتخيَل حياته من دونها ورغم أنَ العيب منها وأن جميع المحاولات باءت معها بالفشل إلاَ أنه ما زال يأمل في حدوث معجزة مع بزوغ فجر كل يوم جديد ، ورغم أنَ أغلب هؤلاء الأزواج ينتمون إلى الطبَقة الرَاقية وينحدرون من عائلات ثرية ونافذة إلاَ أن جميع محاولاتهم باءت بالفشل ويضيف الزَوج أنَه يشعر بالحزن والألم عندما يرى نظرة الشعور بالذنب في عيون زوجته التي وصل بها الحد إلى طلب الطَلاق منه لكي تتركه يعيش شعور الأبوة الجميل مع أخرى حتى وإن كان الثَمن التضحية بحبَها من أجله إلاَ أنَ هذا التصرَف زاده حبا وتعلَقا بها مؤكَدا أنه شخص مؤمن ويثق أن الحياة تحمل المفاجآت وتتحقق فيها المعجزات .
شعور بالذنب والنقص
وحسب معلومات وردت في نفس الموقع أكَد الطبيب “ستينغ “طبيب نسائي ومتخصَص في عمليَة الإخصاب بالمختبر (طفل الأنبوب ) أنَ العقم وتأخر الإنجاب يؤثَر بشكل مباشر على الحياة الزوجية والعلاقة العاطفيَة ويقول ” علاقات كثيرة إزدادت قوة ومتانة مع هذه الأزمة ولكن للأسف رأيت أيضا علاقات زوجية تنتهي للسبب نفسه خاصَة بعد عجز هؤلاء الأزواج عن الإنجاب رغم إستعمال جميع الطرق والأساليب “ويرى الطَبيب أن العقم وتأخر الإنجاب هو إختبار قاسي لا تستطيع إجتيازه بنجاح إلاَ العلاقات الصَامدة والحقيقيَة المبنية على أسس ثابتة ومتينة .
كما تشير أغلب الإحصائيات أنَ حالات العقم قد إرتفعت بشكل هائل في السَنوات الأخيرة و لأسباب مختلفة، حيث تبين بعض الدراسات إلى أن هناك حاليا ما يصل إلى 15٪ من الأزواج الذين يعانون من مشاكل في الإنجاب و 2٪ من العقم التام “.
ما الحل؟
صحيح أنَ الأمور لا تسير دائما كما نرغب و العقم أصبح يعتبر من ضمن الأسباب الرَئيسيَة المسببة للطلاق ، ومع تطوَر العلم وظهور تقنيات الإنجاب بمساعدة طبيَة ، العديد من الأزواج إستطاعوا التدارك ولملمة أجزاء العلاقة الزوجية بعد أن بعثرتها مشاعر الحسرة ، الشك والشعور بالذنب ، وفي هذا الصدد يرى أغلب خبراء علم النفس أنَ التَحدي اللأكبر و الذي قد يواجه الأزواج الذين يعانون من العقم هو الزمن فكلما طالت فترة الإنتظار وقلَت العوامل المساعدة (السن ، الخصوبة…) كلَما إرتفع وتصاعد التَوتر في العلاقة بما في ذلك من فقدان للثقة و وعدم الشعور بالأمان ،غياب الراحة النفسيَة،فنجد أن الطرف العقيم يعاني من القلق والكوابيس وصعوبة في الإندماج الإجتماعي مع إنخفاض ملحوظ في الرغبة الجنسية المرتبطة باالشغف الذي يبدأ بالإختفاء تدريجيَا عند تفاقم الوضع وإنعدام الحلول بشكل نهائي ، ويرى أطباء النَفس أن الحل الأمثل في هذه الحالة وإلى جانب طبيب أمراض الخصوبة والإنجاب لا بد من إستشارة اختصاصي في شؤون الأسرة ومتخصص في علم الجنس sexologue الذي سيجد العلاج المثالي والسبل الممكنة لتهدئة الوضع لإنقاذ العلاقة وتحسين الوضع العاطفي والجنسي بين الزَوجين اللذان يمثلان شروطا أساسية أيضا لحدوث الحمل .
إنَ العقم ليس إختبارا سهلا لأن آثاره الجسدية والنفسية شديدة على الزَوجين ولكن َ الحب الصادق المبني على إحترام الوعد بالوفاء والعيش المشترك في السرَاء والضَراء ، المودة والرحمة وهي مبادئ الزواج التي تتفق عليها جميع الأديان السَماويةوالتي من شأنها أن تكون الدرع الواقي للعلاقة الزوجية ضدَ مختلف أزمات الحياة كما ينصح خبراء المجال النفسي الأزواج الذين يعانون من العقم أو تأخر الإنجاب بعدم فقدان الأمل وملء حياتهم بإهتمامات أخرى كممارسة الهوايات المفضَلة والسَفر إلى أماكن جميلة وجديدة ، تجنب العزلة والإكتئاب ، والإبتعاد كليَا عن الأشخاص السَلبيين الذين لا يفكرون إلاَ في إستفزاز الآخرين وجرح مشاعرهم وإستبدالهم بأصدقاء أكثر متعة وإقبالا عن الحياة ومن الأفضل أن يكونوا عاشوا أو يعيشون نفس التجربة فتقاسم الألم والإتحاد النفسي يعزز قوة الإحتمال والصبر ، مع المداومة على العلاج ، إلى أن تحمل الحياة مفاجأتها السَارة فدوام الحال من المحال و الحلم يبقى ممكنا إذا ما توفَر الأمل والصبر والإلتزام وإلتحمت هذه المبادئ بالمحبة الصادقة والوفاء 🙂